التقادم في تنفيذ الأحكام القضائية في القانون العماني
يُعدّ مبدأ التقادم من الركائز الأساسية في النظم القانونية الحديثة، فهو يهدف إلى تحقيق الاستقرار القانوني للأوضاع وحماية المراكز القانونية، وذلك بوضع حد زمني للمطالبة بالحقوق أو لتنفيذ العقوبات. يتناول هذا المقال بشيء من التفصيل أحكام تقادم الأحكام القضائية في التشريع العُماني؛ مدنية كانت أو تجارية أو أحوال شخصية، وصولًا إلى الأحكام الجزائية، مع تسليط الضوء على أبرز الاستثناءات الواردة على هذه القواعد، وذلك بهدف إرساء فهم واضح للمدد القانونية التي قد تؤثر على قابلية تنفيذ الأحكام القضائية.

تقادم تنفيذ الأحكام المدنية والتجارية والأحوال الشخصية
تتقادم الأحكام القضائية والحقوق التي تتضمنها - بوصفها سندات تنفيذية[¹] - بانقضاء الحق في تنفيذها. ينقضي هذا الحق بمضي مدة التقادم الطويل، المحددة بـ خمس عشرة سنة (15 سنة)، وتبدأ هذه المدة من تاريخ قابلية الحكم للتنفيذ.
بمعنى آخر، إذا كان الحقوق محلا للمطالبة القضائية، وصدر به حكم قضائي (سند تنفيذي)، فإن هذه الحقوق لا تخضع لأحكام تقادم الحقوق؛ باعتبار أن الحقوق في هذه الحالة يتضمّنها سند تنفيذي لا ينقضي الحق في تنفيذه إلا بمضي مدة التقادم الطويل، وهي انقضاء خمس عشرة سنة (15 سنة) من تاريخ قابليته للتنفيذ [²]. وللإشارة، فإن ما سلف ذكره ينطبق أيضًا على الأحكام التي تصدر في القضايا العمالية والقضايا الإدارية.
تقادم تنفيذ الأحكام الجزائية
تتقادم الأحكام الجزائية وما تتضمنه من عقوبات بسقوط العقوبة الواردة بها أو المحكوم بها، وذلك وفقًا لمقتضيات المادة (328) من قانون الإجراءات الجزائية، وحسب الأحوال التالية:
- الأحكام الصادرة في الجنايات: بمضي عشرين سنة (20 سنة)، ما لم يتعلق الأمر بحكم بعقوبة الإعدام، حيث لا تسقط العقوبة إلا بمضي ثلاثين سنة (30 سنة).
- الأحكام الصادرة في الجنح: بمضي خمس سنوات (5 سنوات).
- الأحكام الصادرة في المخالفات: بمضي سنتين (2 سنتين).
وتبدأ المدة من وقت صيرورة الحكم نهائيًا[³]، إلا إذا كانت العقوبة محكومًا بها غيابيًا في جناية، فتبدأ المدة من يوم صدور الحكم.
الأحكام الجزائية التي لا تسقط فيها العقوبة بالتقادم
لا تسقط العقوبة بالتقادم (بمرور الزمن) إذا تعلق الأمر بجرائم صدر بشأنها حكم قضائي، وهي كالآتي:
- الجنايات الواردة في قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية: وذلك وفقًا للمادة (67) منه.
- الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب: وفقًا لمقتضيات المادة (25) منه، والتي تنص صراحة على أنه لا تسقط العقوبة المحكوم بها بمضي المدة في جرائم الإرهاب، وذلك استثناءً من مقتضيات المادة (328) من قانون الإجراءات الجزائية.
- الجرائم الواردة في قانون القضاء العسكري: ويتعلق الأمر تحديدًا بالجرائم المنصوص عليها في المادة (3) منه، وهي: التجسس، التمرد، العصيان، الفتنة، الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.
وفي الختام، يتبين أن تنظيم تقادم الأحكام القضائية في القانون العماني يمثل آلية قانونية حيوية تضمن تحقيق العدالة والاستقرار في المعاملات، وتحد من حالة عدم اليقين القانوني. تختلف مدد التقادم باختلاف طبيعة الحكم، سواء كان مدنيًا، تجاريًا، أحوال شخصية، أو جزائيًا، مع وجود استثناءات جوهرية تستهدف حماية المجتمع من الجرائم الخطيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
❐ الهامش:
¹- ورد في المادة 343 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 29/2002 على أنه: "لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء. والسندات التنفيذية هي:
أ- الأحكام والأوامر.
ب- ...
ج- ...
ولا يجوز التنفيذ في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ الآتية: على جميع السلطات والجهات التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه، متى طلب منها ذلك، وعلى شرطة عمان السلطانية أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة عند الاقتضاء".
²- فتوى وزارة العدل والشؤون القانونية العُمانية، رقم: 222773194، بتاريخ 15 ديسمبر 2022م.
³- الحكم النهائي البات أو المبرم هو الحكم الّذي لم يعد قابلًا للطعن بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية.
ミ شكرًا جزيلًا لتفضلك بقراءة هذا المقال. نأمل أن يكون قد أثرى معرفتك وأضاف إليها جديدًا. ندعوك لمشاركة أفكارك وتساؤلاتك في قسم التعليقات أدناه، فرأيك يثري الحوار ويهمّنا جدًا. لا تتردد في مشاركة المقال مع من ترى أنه قد يستفيد منه.
إرسال تعليق على: "التقادم في تنفيذ الأحكام القضائية في القانون العماني"
✛ انضم للحوار! 💬 هل لديك رؤى أو أسئلة حول هذا المقال؟ شارك أفكارك مع مجتمع "مدونة القانون العربي" المُتخصِّص. نحن نرحب بآرائك البناءة التي تثري النقاش.
❍ ملاحظة: لضمان بيئة نقاش محترمة ومفيدة، نرجو الالتزام بمعايير التعليقات. سيتم مراجعة جميع التعليقات يدويًا، ولن تُنشر التعليقات المسيئة أو الترويجية أو غير ذات الصلة.