المقصود ببطلان عقد التسيير الحر وفقا للمادة 158 من مدونة التجارة| محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء

❐  الوقائع والمُجريات:
تتلخص وقائع النازلة في أن ورثة الهالك تقدموا بمقال افتتاحي أمام المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 24 أبريل 2014، يعرضون فيه أن والدهم قد ترك محلاً تجارياً، وأن شقيقهم، المدعى عليه، يستأثر باستغلاله وحده منذ وفاة والدهم دون تمكينهم من نصيبهم من هذا الاستغلال.
voidance-commercial-lease-agreement
وقد استند المدعون في دعواهم إلى أن المدعى عليه يتمسك بوجود عقد كراء أصل تجاري مبرم مع الهالك، بيد أن هذا العقد يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً لعدم استيفائه الشروط الشكلية المنصوص عليها في المواد 153، 154، و158 من مدونة التجارة، لاسيما عدم نشر ملخصه بالجريدة الرسمية أو إحدى الجرائد المأذون لها بنشر الإعلانات القانونية، وعدم تقييده بالسجل التجاري. وبناءً على ذلك، التمسوا الحكم ببطلان العقد. وقد أرفقوا مقالهم برسم إراثة، وشهادة السجل التجاري للهالك، وصور من عقد الكراء.
حكم أو قرار قضائي بطلان عقد التسيير الحر للأصل التجاري

في المقابل، أسس المدعى عليه مذكرته الجوابية على أن عقد الكراء المذكور لم ينصب على الأصل التجاري، بل على المحل التجاري (العقار) فارغاً، وأن عبارات العقد التي استعملت مدلول "الأصل التجاري" كانت مجرد خطأ في التكييف، لكون الأصل التجاري لم يكن موجوداً أصلاً حتى يتم كراؤه. وعليه، التمس رفض طلب المدعين، وأرفق مذكرته بنسخة من السجل التحليلي رقم 1013.
وبتاريخ 30 أكتوبر 2014، أصدرت المحكمة التجارية حكمها القاضي برفض الطلب، حيث عللت قرارها بأن عدم إشهار العقد لا يؤثر على العلاقة بين طرفيه، وأن هذا الشرط وُضع لحماية حقوق الأغيار.
لم يرتضِ المدعون بهذا الحكم فتقدموا بطلب استئنافه، وأسسوا استئنافهم على أن القانون يقضي ببطلان كل عقد تسيير حر لا تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في مدونة التجارة، خصوصاً المادة 158، وأن هذا البطلان يمكن أن يتمسك به كل ذي مصلحة، بما في ذلك المتعاقد المتسبب في البطلان. وبناءً على ذلك، اعتبروا أن الحكم الابتدائي قد جانب الصواب، والتمسوا إلغاءه.
من جانبه، أفاد المستأنف عليه في مذكرته الجوابية بأن تعليل الحكم المستأنف كان في محله، ويوافق مقتضيات المواد 59، 60، و61 من مدونة التجارة. وأكد أن شرط الإشهار هو لغرض إعلام الأغيار، ولا حاجة للطرفين به. كما أشار إلى أنه من غير العدل والإنصاف أن يستفيد المكري من عدم قيامه بالإجراءات القانونية اللازمة ليقيم دعوى البطلان. وبناءً على ذلك، التمس رفض الاستئناف وتحميل المستأنفين الصائر.
وفي الختام، أدلى المستأنفون بمذكرة تعقيبية أكدوا فيها على ما جاء في مقالهم الاستئنافي.
وقد صدر قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، بتاريخ 2015/10/19، متضمناً مجموعة من القواعد العملية المُهمة. 

❍ القواعد أو المبادئ المستخلصة من تعليل قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء:
1- ورثة مكري الأصل التجاري ليسوا بأغيار بالنسبة لأطراف عقد التسيير الحر:
اعتبرت المحكمة ورثة المورث/المستأنفين أنهم "ليسوا بأغيار بالنسبة لطرفي العقد بل أنهم حلوا محل مورثهم مُكري الأصل التجاري ... في حقوقه والتزاماته وبالتالي يعتبرون طرفاً أصلياً في عقد التسيير الحر موضوع النزاع".
2- طبيعة عقد التسيير الحر:
تؤكد المحكمة أن "عقد التسيير الحر للأصل التجاري عقد رضائي لا يشترط القانون لانعقاده شكلا خاصا"، وأن إجراءات الشهر المطلوبة ما هي إلا وسيلة للإعلام بنية الاحتجاج بمضمونه وبالحقوق الناشئة عنه.
3- جزاء الإخلال بإجراءات شهر عقد التسيير الحر:
تؤكد المحكمة على أن الغاية من أحكام المواد من 152 إلى 158 من مدونة التجارة هي حماية الدائنين الأغيار، حيث أن المشرع رتب عن الإخلال بها "عدة جزاءات حمائية تتمثل في أداء غرامات وجزاءات مدنية تتمثل في عدم إمكانية احتجاج المسير بصفته كمسير اتجاه الأغيار، وتعطيل مدة الستة أشهر التي يكون خلالها مالك الأصل التجاري أو مستغله مسؤول بالتضامن مع المسير الحر على جميع الديون المتعاقد عليها والمتعلقة باستغلال الأصل التجاري محل العقد، وكذلك تأخير سريان أجل الثلاثة أشهر التي يحق فيها لدائني مكري الأصل التجاري المطالبة بالتصريح بحلول أجل ديونهم".
واعتبرت المحكمة أن إرادة المشرع لا ترمي بطلان وإعدام عقد التسيير الحر المستجمع لأركان قيامه والمُخل بإجراءات شهره.
4- لا بطلان للعقد بين طرفيه عند الإخلال بإجراءات الشهر، ومبدأ عدم جواز التمسك بالبطلان تجاه الغير
توضح المحكمة أن تطبيق فكرة البطلان كما هي منصوص عليها في الفصل 306 من قانون الالتزامات والعقود من شأنه أن يجعل العقد لا ينتج أي أثر سواء بين طرفيه أو تجاه الغير، لأن العقد الباطل لا يمكن أن ينتج أي أثر إلا لاسترداد ما دفع بغير حق تنفيذا له.
وهو ما يتنافى مع ما أكد عليه المشرع في المادة 158 من مدونة التجارة من "المتعاقدين لا يحق لهما التمسك بالبطلان اتجاه الغير".
وأكدت المحكمة أن القصد التشريعي من المادة 158 هو عدم إمكانية احتجاج الأطراف بالعقد في مواجهة الغير الذي لم تُشهر في حقه إجراءات الشهر، وليس إعدام العقد بشكل مطلق بين المتعاقدين، "إذ يبقى العقد قائماً ملزماً لطرفيه متى كان تاماً مستوفياً لكافة أركانه وذلك في إطار نظرية تحول العقد".
5- تطبيق نظرية تحول العقد:
تستند المحكمة على الفصل 309 من قانون الالتزامات والعقود (نظرية تحول العقد)، لتؤكد أن "العقد الباطل أو القابل للإبطال إذا كان يتضمن عناصر صالحة وكافية لعقد جديد يستجيب للهدف الاقتصادي الذي تسعى الأطراف إلى تحقيقه تعين الأخذ بهذا العقد الجديد". وارتباطاً بموضوع النازلة، اعتبرت أن "عقد التسيير الحر المثار بشأنه البطلان لعدم إشهاره [يبقى] عقداً صحيحاً كعقد كراء لمنقول يخضع لأحكام القواعد العامة المنصوص عليها بقانون الالتزامات والعقود". وهذا التحول يؤكد بقاء العقد قائماً كواقعة مادية ومنتجاً لآثاره بين طرفيه وبالنسبة للغير، مع استبعاد الآثار المتعلقة بالمواد الخاصة بإجراءات الشهر الواردة في مدونة التجارة.

هذه هي المبادئ الأساسية المستخلصة من تعليل المحكمة، والتي تشكل الأساس القانوني لقرارها بتأييد الحكم الابتدائي.

❐  المَرجع:
قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، رقم 5110، بتاريخ 2015/10/19، ملف رقم 2015/8205/1361.

• شاركنا رأيك حول الموضوع في المكان المخصص للتعليقات أسفله!

 لــمـيــن أشــرف
لــمـيــن أشــرف أؤمن بأن الوعي القانوني هو أساس بناء مجتمعات قوية. لهذا، أكرس نفسي كباحث ومختص في الشؤون القانونية والقضائية لتقديم مقالات عميقة وواضحة باللغة العربية. مهمتي هي تمكينك بالمعرفة القانونية اللازمة لتعزيز سيادة القانون في حياتنا اليومية.

إرسال تعليق على: "المقصود ببطلان عقد التسيير الحر وفقا للمادة 158 من مدونة التجارة| محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء"